سورة يونس - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{قُلْ أَرَءيْتُمْ} أخبروني {مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مّن رّزْقٍ} {ما} منصوب ب {أنزل} أو ب {أرأيتم} أي أخبرونيه {فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً} فبعضتموه وقلتم هذا حلال وهذا حرام كقوله {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} [الأنعام: 139] نعم الأرزاق تخرج من الأرض ولكن لما نيطت أسبابها بالسماء نحو المطر الذي به تنبت الأرض النبات، والشمس التي بها النضج وينع الثمار، أضيف إنزالها إلى السماء {قُلِ الله أَذِنَ لَكُمْ} متعلق ب {أرأيتم} و{قل} تكرير للتوكيد، والمعنى أخبروني الله أذن لكم في التحليل والتحريم فأنتم تفعلون ذلك بإذنه {أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} أم أنتم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه، أو الهمزة للإنكار و{أم} منقطعة بمعنى بل أتفترون على الله تقريراً للإفتراء. والآية زاجرة عن التجوز فيما يسأل من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان وإلا فهو مفتر على الديان {وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب} ينسبون ذلك إليه {يَوْمُ القيامة} منصوب بالظن وهو ظن واقع فيه أي أي شيء ظن المفترين في ذلك اليوم ما يصنع بهم وهو يوم الجزاء بالإحسان والإساءة وهو وعيد عظيم حيث أبهم أمره {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} حيث أنعم عليهم بالعمل ورحمهم بالوحي وتعليم الحلال والحرام {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} هذه النعمة ولا يتبعون ما هدوا إليه.


{وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ} {ما} نافية والخطاب للنيي صلى الله عليه وسلم والشأن الأمر {وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ} من التنزيل كأنه قيل: وما تتلو من التنزيل {مِن قُرْءانٍ} لأن كل جزء منه قرآن، والإضمار قبل الذكر تفخيم له أو من الله عز وجل: {وَلاَ تَعْمَلُونَ} أنتم جميعاً {مِنْ عَمَلٍ} أي عمل {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} شاهدين رقباء نحصي عليكم {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} تخوضون من أفاض في الأمر إذا اندفع فيه {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ} وما يبعد وما يغيب، وبكسر الزاي: على حيث كان {مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ} وزن نملة صغيرة {فِي الأرض وَلاَ فِى السماء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ} رفعهما حمزة على الابتداء والخبر {إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ} يعني اللوح المحفوظ، ونصبهما غيره على نفي الجنس، وقدمت الأرض على السماء هنا وفي (سبأ) قدمت السماوات، لأن العطف بالواو وحكمه حكم التثنية {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله} هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة، أو هم الذين تولى الله هداهم بالبرهان الذي آتاهم فتولوا القيام بحقه والرحمة لخلقه، أو هم المتحابون في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، أوهم المؤمنون المتقون بدليل الآية الثانية {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} إذا خاف الناس {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} إذا حزن الناس {الذين ءَامَنُواْ} منصوب بإضمار أعني أو لأنه صفة لأولياء، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الشرك والمعاصي {لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا} ما بشر الله به المؤمنين المتقين في غير موضع من كتابه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» وعنه عليه السلام: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة» وهذا لأن مدة الوحي ثلاث وعشرون سنة، وكان في ستة أشهر منها يؤمر في النوم بالإنذار، وستة أشهر من ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاً، أو هي محبة الناس له والذكر الحسن، أولهم البشرى عند النزع بأن يرى مكانه في الجنة {وَفِي الآخرة} هي الجنة {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله} تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده {ذلك} إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين {هُوَ الفوز العظيم} وكلتا الجملتين اعتراض، ولا يجب أن يقع بعد الاعتراض كلام كما تقول (فلان ينطق بالحق والحق أبلج) وتسكت.


{وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} تكذيبهم وتهديدهم وتشاورهم في تدبير هلاكك وإبطال أمرك {إِنَّ العزة} استئناف بمعنى التعليل كأنه قيل: مالي لا أحزن؟ فقيل: إن العزة {لِلَّهِ} إن الغلبة والقهر في ملكة الله جميعاً لا يملك أحد شيئاً منهما، لا هم ولا غيرهم، فهو يغلبهم وينصرك عليهم {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} [المجادلة: 21] {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} [غافر: 51] أو به يتعزز كل عزيز فهو يعزك ودينك وأهلك، والوقف لازم على {قولهم} لئلا يصير {إن العزة} مقول الكفار {جَمِيعاً} حال {هُوَ السميع} لما يقولون {العليم} بما يدبرون ويعزمون عليه وهو مكافئهم بذلك {أَلا إِنَّ للَّهِ مَن فِى السماوات وَمَنْ فِى الأرض} يعني العقلاء وهم الملائكة والثقلان، وخصهم ليؤذن أن هؤلاء إذا كانوا له وفي مَلكَته ولا يصلح أحد منهم للربوبية ولا أن يكون شريكاً له فيها، فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له نداً وشريكاً {وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء} {ما} نافية أي وما يتبعون حقيقة الشركاء وإن كانوا يسمونها شركاء لأن شركة الله في الربوبية محال {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} إلا ظنهم أنهم شركاء الله {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يحزرون ويقدّرون أن تكون شركاء تقديراً باطلاً، أو استفهامية أي وأي شيء يتبعون و{شركاء} على هذا نصب ب {يدعون} وعلى الأول ب {يتبع} وكان حقه وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء، فاقتصر على أحدهما للدلالة والمحذوف مفعول {يدعون} أو موصولة معطوفة على {من} كأنه قيل: ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي وله شركاؤهم.
ثم نبه على عظيم قدرته وشمول نعمته على عباده بقوله:

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11